المشاركات

عرض المشاركات من 2008

فراشات نوفمبر

2 نوفمبر "طيب ممكن توصيفيهولي ؟ حاولي كده." كرهت نظارته لأنها تخبئ طيبة عيناه, تتمنى لو عندها معطف أبيض مثله, به فتحة لتضع يدها في جيب بنطالها. سكتت لبرهة كأنها تقرر شيء مهم. "بص هوه طويل, أطول منك..." خالد أطول منها بقدم تقريبا, تفوح منه رائحة تبغ حلوة, لا تضايقها أبدا. أسمر سمرة خفيفة, كأنه جلس في الشمس يوما كاملا بدون قبعة. دائما يرتدي جينز مهترئ بحجة أنه مريح و يخبئ قدميه النحيفتين في أحذية "موكاسان" ناعمة و طرية كالوسادات. موسيقار, يعزف على البيانو, يعطي دروسا في مركز ثقافي لتعليم الأطفال الفنون. قابلته أمام ثلاجة أيس كريم عند حلواني صغير في وسط البلد. طلبا نفس النكهات: شيكولاتة و ليمون, "في كوباية مش بسكوت". 9 نوفمبر "عملتي إيه الأسبوع إللي مشفناش بعض فيه؟" "طيرنا أنا و خالد طيارة ورق..." مشيا من الحلواني بوسط البلد إلى الحسين و من هناك ذهبا إلى حديقة الأزهر. ضحكت كثيرا عندما عرفت أن الحقيبة التي حملها معه بها طائرة كان قد صنعها لها من الورق المقوى و أغصان شجر غير متناسقة ا

شبشب مقطوع

تشعر بأنها تنصهر داخل عباءتها السوداء. لم تعد تحتمل انتظار الحافلة في هذا الزحام و هذا الجو الخانق. تؤلمها يداها من ثقل الأكياس الكثيرة التي تحملها. كانت تشعر بسخونة "الأسفلت" تخترق مطاط "شبشبها" الأخضر لتصل إلى قدميها. رأت الحافلة قادمة من بعيد, فتشبثت بالأكياس جيدا متأهبة لوصولها. أسرعت من خطوتها فبدت ككرة سوداء صغيرة تتدحرج بصعوبة. ذهب شعورها بالارتياح و هي تتسلق السلالم لصعود الحافلة عندما شعرت ب"فردة الشبشب اليمين" تتمزق و تنزلق من علي قدمها المنهكة. نزلت السلالم بصعوبة لتبحث عن الشبشب لتصلحه بعدما تتسلق مرة أخرى. بعد أن وجدته تحت أحذية كثيرة, حاولت الركض لتلحق بالحافلة التي لم تنتظرها. ________________________________________ تشتري له "شبشب" جديد في عيد زواجهما الأول. لا يبدي إعجابه أو كرهه للشبشب الأسود فتحاول أن توضح الفكرة وراء الهدية: أن يرتديه في المنزل او في المصيف و انه "ماركة". يشكرها بحرارة كاذبة و هو يقبلها. في المنزل لم يخرج الشبشب من علبته, فانت

زيت على كانافا

محمد بعد مرور شهور علي فراقهم ، لا تزال عيناها تسيطر على أفكاره. كل شيء في حياته يستحضرها. يشعر كأن روحها تسكنه. يكاد ينطق باسمها كل مرة تفترق شفتاه ليتكلم مع أحد. عندما يجلس وحده في الليل يحاول أن يرسم، أن يخرج طاقته في شيء إيجابي. لكن كل ما يخرج من طرف قطعة الفحم هو اسمها. يكتب اسمها بخط الرقعة مرة وبالنسخ مرة أخرى، ثم يرسم وردًا أو مفتاح حياة صغير ليزخرف اسمها. يسأل نفسه لماذا تركها تذهب. يرقد في سرير غير مريح مفتقدًا جزءً من نفسه أخذته معها. لا يرسم لوحة واحدة إلا بعدما يراها. يلمحها وهي تقود سيارتها في المنيل. ذلك اليوم يعود إلى الأتيليه ويمسح تراب شهور من على أنابيب الألوان والباليتة. يرسم خطوط بلا ملامح على "الكانافا" بقلم فحم ناعم. يملأ اللوحة بألوان ساخنة. تمر الساعات ومع مرورها تظهر تقاسيم وجه وجسد امرأة تميل حتى لا يظهر إلا كتفها الأيمن وجزء من ظهرها الذي تساقط عليه خصلات من شعرها البني المعقوف عند أسفل عنقها. رسم وجهها الخمري من شريط ذكريات هاجمه بشراسة فظهر أنف به عوجة صغيرة وشفاه ممتلئة. عندما ينتهي من وضع آخر لمسات على اللوحة يأخذ خطوتين إلى الخلف

نقوش

حناء تعرف أن المرأة قد اضافت صبغة الى المعجون اللزج الداكن من سمكه و من تداخل روائح اخرى لم تعتاد عليها انفها. لكنها استطاعت أن تستخرج رائحة الحناء بلذاعتها التي طالما احبتها. تاخذ الكتيب من المرأة و تضعه على حجرها و عندما تفتحه, تنتبه صغيرتها. تمر اعينهم و اصابعهم على كل صفحة اتذهب الى الصفحة الاخرى ثم يبدأن من اول صفحة مرة اخرى. تختار الفتاة الصغيرة خط من النجوم و تطلب من المرأة أن ترسم لها مثل امها على كفها الايمن. يخرج المعجون بارد و ثقيل من القرطاس في حبل اسود متمايل. يدغدغها فتنظر الى امها و تضحك. رمال تصتدم الموجات ببعضها و تلتقي في عناق شغوف عند الشاطئ. تظهر الشمس قليلا ثم تختفي خلف سحابات رمادية متناثرة. و احيانا تأتي رياح سريعة تتداخل بين خصلات شعرها ليتطاير حول وجهها و عندما تفترق شفتاها لتضحك تدخل خصلات من شعرها و تجعلها تضحك اكثر. تشعر بقشعريرة في رجليها لانها ترتدي شورت حتى تمشي على الشاطئ مع صغيرتها لكن الماء لا يبلل الا كاحليها. لا تغامر بالدخول اكثر من ذلك حتى لا تتبعها النسخة المصغرة منها. تقف كل دقيقتين

عيدان القرفة

تدخل الى المقهى الدافئ لتحتمي من برد ديسمبر. تزفر و هي تتخلص من حمل معطفها و حقيبتها. تبتسم لنفسها و هي تجلس في الكرسي الاحمر الصغير. يأتي الجارسون فتطلب شاي سادة و معه عيدان قرفة. تنظر حولها لتتفقد الناس المختبؤن من البرد مثلها. تجذبها صوت ضحكته العالية الدافئة فتنظر اليه. يلاحظ انها تتفحصه فيترك الموبايل لثانية و يبتسم لها. ترتبك. تشعر بسخونة في اذنيها مع أن دفء المكان لم يغمرها كاملا بعد. تفسح مكان على الطاولة عندما ترى الجارسون اتي من بعيد. يمر بجانبها و يتوقف عند صاحب الضحكة. يكاد يقتلها الفضول لانها تريد أن تعرف ماذا يشرب. يدق قلبها بسرعة غير معتادة عندما ترى انه يشرب شاي مع عيدان قرفة. تنظر حولها بسرعة لتتأكد ان لا احد غيرهم هم الاثنين يشرب شاي بالقرفة. تتحمس كطفلة و تهمس لنفسها انها اشارة. تشرب الشاي بسرعة. عندما تنتهي تلتف بجسدها قليلا لختلس نظرة اخرى. تتسع عيناها عندما تراه يرشف اخر الشاي ثم ياخذ ثلاثة عيدان من القرفة من قاع الكوب و يمصهم بصوت عال كطفل يأكل حلوى. يلمحها و هي تنظر اليه فيغمز لها و ببطء يخرج العيدان من فمه و يرمي لها قبلة صغيرة في الهوا

حكاية

تجلس الصغيرة في خجل بجانب امرأة تكبرها بعدة سنون. تربت المرأة بيدها علي ظهرها. تأخذ البنت انفاسها بتأني. تنظر الي المرأة بعيون يملؤها كلام كثير. تعتدل في جلستها و تستند برأسها علي كتف المرأة. تفترق شفاها لتخرج الكلمات بصوت يكاد لا يسمع "اتكلمت معاه إمبارح." "قاللي احكيلك" يأتيها صوت الموسيقي من بعيد و هي بين اليقظة و النوم. قد مضي وقت طويل علي استماعها للموسيقي. تفتح عيناها المثقلتان بالتعب عند بدء كل اغنية. تغرق في الكلمات. تنتفض. يدق قلبها بسرعة جنونية. تضع يدها علي صدرها علّ الألم يهدأ. لكل أغنية معني لم تفهمه من قبل. كل أغنية اشارة. تؤمن بالاشارات الضغيرة التي نلتقتها عبر طريقنا في الحياة. اما هو, فيؤمن بالاحلام. "قاللي احكيلك" تتأرجح علي الحافة. لكن هو لا يتحرك. لا تقدر علي التنفس لان الهواء مكتوم و ثقيل. تقسم نفسها اثنين. نصف يريده و يتوق اليه و النصف الأخر يأبي البقاء معه. هناك نوعان من الألم. تعرف ذلك و تشعر به. اذا سؤلت عن الفرق بينهما لن تقدر علي الاجابة. لكنها تعرف أن هناك فرق. كل شئ منه اثنين. نصفين. نوعان من الأل

أول مرة

احساس أخر يتملكها احساس أخر, احساس جديد جدا و هي تقترب من ساحة المسجد. تردد لنفسها تاريخ اليوم لانها لا تريد أن تنسي هذه اللحظة. لا تريد أن تنسي واحدة من "مرّاتها الأولى". تتحمس كثيرا عندما يأتي ولد صغير يطلب منها "أي حاجة عشان خاطر سيدنا كلنا." تعطيه ما معها من نقود في جيب الجينز و كيس شيبسي بالملح. عندما تقع عيناها علي المظلات المغلقة تبتسم. تحب لون و شكل هذه المظلات التي أمام سيدنا الحسين كثيرا لكن اليوم تحبها اكثر لانها لها وحدها. رائحة بخور تذهب الي الباب الجانبي لتصلي ركعتين و تدعو. تشعر بدوار خفيف من رائحة البخور. تضع حذائها في حقيبة مخصصة لوضع الاحذية في الحسين. تصلي بالكوفية الصوف التي تحتك برقبتها. تستخدم مهارات الدفع و "الهرس" التي تعلمتها في الجامعة لتصل الي المقام. تقرأ الفاتحة و تدعو لكنها تجد نفسها غير قادرة علي التركيز الا في صوت امرأة تبكي بجانبها. تود أن تحتضنها لكنها تقرر الا تفعل ذلك. تتذكر و هي علي وشك الخروج أن تدعو علي بوش و اسرائيل. تقرأ الفاتحة مرة أخرى ثم تخرج. تركواز و لابيس لازولي تفرح جدا لأنها قد ادخرت من

بطاطس محمرة و كيك شيكولاتة

يجلسن حول طاولة في مطبخ دافئ يملئه رائحة منظف. تغمس كل واحدة منهن شوكتها في قطعة كيك شيكولاتة علي صحن ابيض صغير. تأخذ اثنتين منهن قطعة أخرى ليتقلس حجم قالب الكيك الذي يتوسط الطاولة. يزخرفن قطع الكيك بأيس كريم الفانيليا و "صوص" شيكولاتة سميك يمنع كل ما تحته من التنفس. لا يبدأ الكلام الا بعد ما ينتهين من اكل الكيك. يعلو صوت ضحكاتهن و هم يتناوبن في غسيل الصحون. يبدأن في إفشاء اسرار الشهر الماضي التي لم يتناقشن فيها بعد. بعد مرور ساعة من الحكي و التحليل يشعرون بالجوع. يأتيهن احساس بأن هذه ليست الا "طفاسة" لكنهن يزيحن الاحساس بعيدا و يتشاورن علي نوع الوليمة. يتخذن قرار بالاجماع علي بطاطس محمرة فيقسمن الادوار علي انفسهم: غسيل البطاطس, تقشيرها, تقطيعها ثم تحميرها. وسط الاختلافات علي سمك و طول قطع البطاطس يتسلل موضوع الزواج. الموضوع الذي لا بداية له و لا نهاية و لا فائدة ايضا لان "العريس مش ع الباب". يذهبن مع التيار فيتسلل موضوع فرعي "هوه هيطبخ و يغسل الاطباق معايا و لا لأ." يجتمعن كلهم الا واحدة أن "كده و كده هتغسلي انت ف اسكتي

ضحكة القمر

تتدحرج الكرة فوق تراب الشارع. تركلها الاحذية بدون استئذان , بدون مراعاة لمشاعرها الوهمية. تعلو اصواتهم بالضحك و هم يركضون في مساحة تكفي لمرور سيارة واحدة فقط . تعبر قطة الشارع في خوف. تصطدم بها الكرة برفق فتهرع القطة نحو كومة من القمامة في ركن بعيد. "جوووووووووون......يا ابن اللعيبة!" تمر هي في هذه اللحظة. تسير بخطوات سريعة حتى لا تتعرض للمضاياقات. يراها الهداف المغمور و يتفحصها جيدا. "وشك حلو علينا يا قمر." تضحك, يحمر خدها, تبطء. "و كمان ضحكتها حلوة! ده أنا شكلي هكسب النهاردة...." تستمر في طريقها و الابتسامة لا تزال علي وجهها. يستمروا هم في اللعب كأن شيئا لم يحدث. تأتي سيارة فتقطع مبارتهم الصغيرة. ينتظروا مرورها ليستعيدوا الملعب مرة اخرى. ينظرون حولهم باحثون عن "قمر" اخر و "ضحكة" احلى.

كل صباح

تتسلل اشعة الشمس المنكسرة من النافذة الى اركان الغرفة. تعطي دفء مزيف للسيراميك البارد. تضيء بنورها الجدران البيضاء و كأنها توقظها من النوم. يغطي المكتب ورق رسم كبير و غصن شجر بدل من الكتب. اختفت الوان اوراق الشجر – درجات الاخضر و الاصفر الاحمر الداكن – تحت اكوام من التراب. تقع صورة من هذا الغصن, ولدت من طرف قلم رصاص, تحت قمع التراب. فتبدو و كأنها لا تقدر على التنفس. يأتي صوت خطواتها على الارض مفعما بالحياة. تضع وسادة قديمة على الارض لتجلس عليها. تشرب الشاي بالحليب و تغلق عيناها. تشعر بدفء الشمس على جسدها و وجهها و يملؤها احساس بالكسل. تمر لحظات من السكون لكنها توهم نفسها انها ساعات. عندما تنتهي من قدح الشاي تنهض. و هي ذاهبة الى المطبخ تقع عينها على المكتب المغطى بالتراب التي لم تقربه منذ شهور. تبتسم لنفسها و تقول لنفسها ما تقوله كل صباح: "خلاص, كفاية كدة…هابتدي احط الالوان النهاردة."