طائرات ورقية
االطاحونة الحمراء
2003
"دائما ما تقع طائراتنا خلاف ما نخطط لها لكننا نوهم انفسنا أننا أذا التقطناها و رمايناها من جديد ستقع حيثما نريد."
اتذكرين عندما قلت لي هذا؟؟ اعتقد أنني فعلته اليوم
اخذت الدراجة هذا الصباح و انطلقت, لم يكن لي اتجاة محدد لكنني لم اطيق الجلوس بالمنزل. تشاجر بابا معي البارحة قبل النوم لأنني نسيت شراء لبن كامل الدسم, اردت أن اقول له أن بكرش ككرشه فمن الافضل له أن يشرب لين خالي الدسملكنني عرضت عن الفكرة. افقت من النوم بعد الفجر بقليل لكنني بقيت في السرير و ملت برقبتي نحو زجاج النافذة فوق رأسي. أنت تعرفين أن غرفتي هي اعلى ما في المنزل و النافذة تميل بدرجة ميل السقف. كم اود لو تأتي هنا و ترين غرفتي – اعتقد أنني حينها فقط سافكر في ترتيبها قليلا. اريدك ان تنامين بجانبي في هذا الفراش, لا اريد اكثر من ذلك. كل ليلة اذهب في النوم و أنا افكر ان هذا الفراش صنع خصيصا لنا. يسعنا نحن الاثنين فقط – أنا و أنت.
لم اكمل لكي بقية رحليتي الصباحية. أنتظرت في الفراش حتى سطعت الشمس من خلف الزجاج و قررت أن هذا يوم لا يصح قضائه في المنزل. شربت القهوة في القدح الاحمر الذي تحبيه و ارتديت شورت و حذاء قديم و جاكيت واقي للماء. حتى بهذه الشمس هناك دوما احتمال للمطر.
انطلقت على الدراجة في شوارع خالية تماما لابتعد عن البيوت اكثر و اكثر حتي لم تحوطني الا حقول و حقول و حقول. كيف اصف لكي كل ذلك؟؟ لم ارغب في التقاط أي صور لانني شعرت أن الصور لن تنقل لكي الاحساس الذي ملأني و أنا ارى جيوش من زهور التيوليب تميل كلها كبساط من الاصفر و الاحمرو البرتقالي تعكس وهج الشمس و تغاير الوانها عبر ساعات النهار و الطاحونات كجبال صغيرة لا تهتز و لا تعكس أي احساس أو حركة الا آلية المراوح و هي تتحرك بالرغم منها. ذكرتني بنفسي – تلك الطاحونة التي احكي لكي عنها – تقف وحدها و تفعل ما لا تريده – وحيدة تماما الا للطاحونات الاخرى التي تبعد عنها بعدة امتار. ذكرتني الطاحونة بنفسي اكثر عندما وجدت فتاة صغيرة تقارب السادسة تجلس عند الطاحونة و تلعب بالطين و ورود التيوليب. أنا تلك الطاحونة التي من بين كل الطاحونات لها من يحبها و لم تعد وحيدة و أنت الفتاة ذات الفستان المتسخ و وحل ملتسق بأظافر يدها لكن عيناكي ليست بزرقة عيون الفتاة. اكره عيونهم الزرقاء الباردة الجامدة و اشتاق إلى عيناكي. هل قلت لكي ابدا كم اعشق عيناكي؟؟ اعشق عيناكي حتى الموت. اعشق رسمتها الضيقة و اهدابك الكثيفة الناعمة و الوهج الذي يشع منهما. اشعرتني ورود التيوليب اليوم بوهج مثل وهج عيناكي حتى شعرت أنك معي بجانبي وسط الحقل.
عندما ذهبت الفتاة تركت خلفها فراش من اوراق التيوليب على الارض. افترشتها و نظرت لاعلى لارى مروحة الطاحونة و السماء خالية من أي سحب. اتذكرين تلك الاغنية التي احبها؟؟ اغنية الطائرات؟؟ هذا ما فعلته على فراش التيوليب. غنيت الاغنية و حاولت أن اعد كم طائرة تطير كل يوم من هنا لحيث أنت الان و كم قطار يمر من هنا الى العاصمة لاصل لتلك الطائرات.
امطرت و أنا عائد الى المنزل.
شاهدت مولان روج للمرة المائة و واحد و اكتشفت كما اكتشف كل مرة أن هذا اعظم فيلم في التاريخ.
اعتقد أن افضل وسيلة لترين ما رأيت هذا الصباح هو اللجوء لعزيزك فان جوخ. اعتقد أنني اليوم فقط تفهمت نظرة الحزن التي طالما اشرتي اليها في عيونه و علمت أنني لن اكون حزينا ابدا.
احبك, احبك اكثر مما تعرفين
أبو عيون بريئة
2002
- عينيه لونها حلو أوي
- عينيه؟؟ ده أنت مركزة أوي على كده
- لأ لأ مش حكاية تركيز. هي من كتر ما هي جميلة لفتت نظري
- طيب اتكلمتي معاه؟
- اتكلمنا شوية و اكلنا بوريو
- بوريو يا فقر؟؟ رومانسي جدا البوريو
- بلاش تريقة بقى. مكنش في حاجة تانية تتاكل في الكشك و اتكلمنا و شوية و اخد الايميل بتاعي
- و بعدين؟
- و لا قبلين. عينيه حلوة اوي بقولك
- ابو عيون جريئة؟؟
- بطلي غلاسة
- و الله مابغلس. بجد ايه اللي حلو اوي كده في عينيه؟
- لونها. لونها فظيع. لونها اخضربس مش اخضر...يعني في شوية بني و شوية اصفر. شذرات اصفر. كأنها مرسومة. و واسعة أوي
- و جريئة؟؟
- لأ مش جريئة خالص. مكشوفة شوية و فيها نظرة براءة و صفاء و هوه بيشتغل. بس لأ مش جريئة. تحسيها ممكن تحرقك لو بصلك كتير.
حقول
2007
اهتز القطار هزة معتادة ارتجت معها رجة خفيفة فاستيقظت و جلست تستمع إلى شخير كل من حولها بالعربة بما فيهم هو. لم يكن في مخيلتها انها ستكون في هذه اللحظة ابدا, معه على القطار تاركين العاصمة بكل ما فيها. تراقبه و هو متكور كقط يحتمي من البرد بين ثنايا بطانية على ملامح وجهه براءة طفل نائم. اعادت التفكير في كلمات اخرى لوصفه لانها لم تقتنع بالبراءة. البراءة صفة يحملها قليلون و هي و هو لم يكونا من هؤلاء القلة. لم يضايقها هذا الاكتشاف فقد كانت تصالحت مع افتقادها البراءة و احبت هذا التغير الي طرأ عليها فجاة و أمنت أنه جزء من نضجها.
احست بثقل ساقه على ساقها فاقتربت منه اكثر و فركت ساقه بنعومة و هي تنظر خارج النافذة الى الحقول التي تركها القطار سريعا و امتداد الاخضر حتى نهاية الافق لا يقطعه الا النخل المبعثر هنا وهناك. اغمضت عيناها لدقائق و تخيلت الموقف كما لو لم يكن. لو لم تضطر أن تضع يداها في جيبها و حقيبتها و هي معه حتى لا تمدها اليه و تحضنه. لو لم تضطر استخدام خيالها حتى تشعر بجسده يطوق اليها. لو لم يكن لآخرى. و بالرغم من كل ذلك هي لم ترغب في تغير الموقف عما هو الان, عرفت أن ما بينها ليس حب انما انخذاب لذيذ لم تشعر به تجاة احد من قبل.
فتحت عيناها و نظرت الى وجهه النائم و جفنيه المحكمين على عيونه. لم تلحظ عيونه أول مرة رأته, لحظت يداه البيضاء الجميلة سريعة الحركة ثم لحظت عيونه البنية الواسعة التي تميل الى العسلي في الشمس و اهدابه الخفيفة و نظاراته التي اثارتها و اشعرتها أن احيانا ليس هناك داع للكلام. سعدت لانها في ذهنها رأت عيناه تحت جفنيه تبتسم و تلمع و تذكرها بكل ما تحب. داعبت اصابعه خلسة و تاملت وجهه و اعترفت لنفسها انه رجل جميل. اراحها الاعتراف كثيرا و اراحتها معرفة انه يراها جميلة و انها تثيره و فكرت أنه من المحتمل ان يكون اكتشافها ان هناك انواع من العشق جزء من فقدان البراءة. فكرت ان ربما اذا كان فان جوخ قد جلس أين تجلس الان و شعر ما تشعر به لأّجّل انتحاره بضعة سنوات ليكتشف هو ايضا نوع اخر.
عزيزي ثيو*
2005
"الامر لا يقتصر على حبي لك او على رغبتي في البقاء معكي. هذا قراري و لن يتدخل به احد. اذا اردتي أن تعتقدي انني لا احبك فهذا يعود اليك لكنك تعرفين جيدا انه ليس صحيح. انا افعل ما في مصلحتي أنا و أنت و اجرح نفسي قبل أن اجرحك لكن هذا – كما قلت لك كثيرا – قراري و لن اتراجع عنه. دوما ما يحدث الخير لمن يستحقه و لهذا اعرف انك ستكونين على ما يرام.
تذكري انني احبك دائما. "
قرأت الورقة مرتين سريعا و هي تتذكر كم آلمتها أول مرة قرأتها و كيف طبعتها و تركتها في حافظتها. نظرت الى اطراف الورقة المتاكلة و الى الحبر الباهت و اكتشفت أنها لا تعرف خط يده. رأت عيناه على الورقة, عيناه التي لم تفهم منها شيئا ابدا لانها لم تراها كثيرا. حاولت تذكرها لكنها لم تتذكر الا عينه اليسرى و الندبة التي امتدت من اعلى حاجبيه حتى نهاية عينه. اخرجت خمسة جنيهات من حافظتها و اعتطها للمرأة امامها. "واحد من الخمسة لو سمحت".
فتحت النافذة قليلا و تركت الورقة تطير.
حيطة
2002
"قابليني في الحمام اللي تحت"
انتظرت خمسة دقائق ثم تبعته و وجدت باب الحمام مواربا فدفعته ببطء قبل أن تدخل. سحبها من ساعدها الايمن و اغلق الباب خلفها مباشرة و امسك يدها بلهفة ثم قبلها طويلا حتى رفعت كفيّها الى وجهه و داعبت خديه.
"أنا بحبك أوي أوي"
حملها و لففت ساقيها حوله ثم دفعها على الجدار يضمها اليه بقوة و عنف. حاولت أن تنظر في عيناه لتقولها لكنه لم يعطيها فرصة. اختبئ في شعرها و بلوزتها و رقبتها فطلبت منه التوقف و رفعت ذقته اليها.
"أنا كمان بحبك أوي"
جمدت عيناه لثواني و عرفت لحظتها ما تذكرها به عيناه, بحر بارد في الشتاء. ملأها خوف و هي تقرب ابهمها من طرف عينه و لم يرمش أو يحرك نظرته من عليها. دققت النظر في عيناه تحاول قرأتها و وجدتها كما هي دوما – خضراء و واسعة و لا تقول شيئا.
*ثيو هو أخ فينست فان جوخ الذي راسله معظم الفترات التي رسم بها
تعليقات